تستكمل تركيا عاماً بعد عام مسيرةً نهضة واضحة المعالم ثابتة الخطى نحو هدف تنموي كبير قد حققت حتى اللحظة أكثر من 80% منه وقد وضعت الأسس المتينة لإنجاز ما تبقى من رؤية 2023، وفي معرض النهوض الاقتصادي التركي يبقى سوق العقارات في تركيا حاضراً وبقوة في هذه النهضة، بل يعتبر القطاع العقاري التركي واحداً من أهم دعامات الاقتصاد في البلاد وأكثرها استقراراً وأسرعها نمواً، وقد أثبت بالإحصائيات والأرقام سوق العقارات في تركيا أنها داعم حقيقي لرؤية 2023. من الملاحظ أنّ عام 2018 شكّل بالنسبة إلى سوق العقارات في تركيا عاماً مميزاً فيما يخص استكمال واستدامة النمو في القطاع العقاري.
ويعزى ازدياد الطلب على العقارات التركية إلى الأسباب التالية :
1. تصدر الشرق الأوسطيين قائمة المستثمرين الأجانب في تركيا
لا يمكن التغافل عن دور أثرياء الشرق الأوسط والمستثمرين العقاريين البارزين من العرب، وخاصة بما تمثله تركيا للشعوب العربية من قيم إسلامية وثقافية مشتركة، هذا ما زاد في إقبال مستثمري العقارات العرب إلى مستويات مرتفعة، وقد كانت أعلى مستويات هذا الإقبال بُعيد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في عام 2016، والتي تلاها تراجع الاستثمار من قبل الأوربيين في سوق العقارات في تركيا ،الأمر الذي أفسح المجال للمستثمرين العرب الذين أبدوا ثقة بالاقتصاد التركي، وراهنوا على سرعة امتصاص تركيا للصدمات التي تعرضت لها في تلك الفترة، وبالفعل كان ذلك. تتصدّر حالياً كل من العراق والسعودية قائمة المشترين الأجانب في سوق العقارات في تركيا بفارق طفيف لصالح العراق، ثم تأتي الكويت في المرتبة الثالثة، وكذلك فإن المستثمرين البحرينيين قد حققوا مبيعات جيدة في الفترات الماضية، ولا تزال الدول العربية والشرق أوسطية هي صدارة الدول المستثمرة في عقارات تركيا في كل إحصائية ودراسة شهرية من عام 2018، وسنذكر ذلك لاحقاً في جدول تفصيلي في هذا المقال.
2. تحول أنظار المستثمرين عن العقارات الأمريكية لصالح عقارات تركيا
إنّ الموقف العدائي الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه المسلمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، جعل المستثمرين ـ وخاصة المسلمين ـ يشعرون بعدم الثقة بالاستثمارات داخل أمريكا، وصارت تتجه الأنظار نحو بلد آخر يصلح كملاذ بديل وآمن للاستثمارات العقارية، فكان لتركيا النصيب الأكبر من تحول الاستثمارات العقارية للعرب من الولايات المتحدة. تشير الدراسات إلى أنّ إجمالي الاستثمارات العقارية في الولايات المتحدة من قبل المستثمرين الشرق الأوسطيين انخفضت بمعدّل 71% في عام 2017، خلال سنة واحدة فقط، وفي ذات الوقت تشير دراسات أخرى إلى أنّ 80% من مستثمري الشرق الأوسط يستثمرون أموالهم في تركيا. في هذا السياق قال السيد كاميرون ديجين ، مديرإحدى الشركات المهتمة بشؤون سوق العقارات في تركيا :” إنّ قرارات إدارة ترمب ساهمت بتعجيل تحول كبير في أموال المستثمرين الشرق أوسطيين من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الجمهورية التركية، ولا يقتصر ذلك على استثمارات فردية فحسب، بل إنّ مجموعات وشركات استثمارية كبرى تنسحب بشكل هادئ باتجاه تركيا”
3. الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً
إن الحالة غير المستقرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في عدة دول في الشرق الأوسط منذ حرب العراق 2003 إلى تاريخ اليوم زادت في ترسيخ القناعة بوجوب نقل الاستثمارات في الشرق الأوسط إلى مناطق أكثر أمناً واستقراراً، وخاصة الاستثمار طويل الأمد كالعقارات. إنّ هذه الاضطرابات وخصوصاً في الفترة ما بين الانقلاب على الرئيس المصري محمـد مرسي في مصر وظهور تنظيمات إرهابية بين العراق وسورية، وحرب اليمن، وسوء الأوضاع في ليبيا، وتدهور الوضع الاقتصادي في إيران، ساهمت في تحويل الاستثمارات في هذه باتجاه بلد مستقر وآمن كتركيا، والتي كان لقربها إلى جانب استقرارها الدور الأكبر في جاذبيتها للاستثمارات الهاربة من الشرق الأوسط. نؤكّد دائماً في جميع تقاريرنا ومقالاتنا أنّ النقطة الأكثر جذباً للمستثمرين في سوق العقارات في تركيا هي الاستقرار السياسي والاجتماعي، وبالمقابل فإن النقطة الأكثر تنفيراً للمستثمرين هي انعدام هذا الاستقرار، وهذا الأمر يمس بشكل أساسي الاستثمارات العقارية.
4. ارتفاع معدلات الاستثمارات الصينية في سوق العقارات في تركيا
إن أكبر دولة يستثمر مواطنوها ورجال أعمالها خارج حدودها هي الصين، وتحاول غالب الدول على جذب المستثمرين الصينيين، وقد استفادت تركيا من التوجهات الصينية في خطتها الاقتصادية لربط الصين بكل من آسيا وأوربا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهذا ما يجعل الصين جاهزة لضخ مليارات الدولارات في تركيا خلال الفترة المقبلة . وبحسب الوكالة التركية الاستثمار والترويج للاستثمار، فإنه حتى تارخ 2021 وما بعد ستتضاعف أعداد الشركات الصينية التي تعمل في تركيا، وخاصة في مجالات البنية التحتية والتقنيات والطاقة و الصناعات الكيميائية والاستثمار والتطوير العقاري، والمميّز في الاستثمار الصيني في العقارات التركية أن الصينيين لا يرغبون بالاستثمار في منطقة واحدة، فغالباً ترى لهم عقود شراء وبيع عقارات في أكثر من ولاية تركية، فبالوقت الذي يشترون فيه شقق في إسطنبول يلتفتون إلى شراء فلل في طرابزون، ويتوقع العديد من خبراء العقارات في تركيا أن تزداد مبيعات العقارات التركية للصينيين مع نهاية العام 2018.
5. تحسّن علاقات روسيا وتركيا وعودة الاستثمارات الروسية
لقد عاشت العلاقات التركية ـ الروسية حالة من الانتكاس في عام 2016، مما أثّر على القطاعين السياحي أو العقاري، ولكن عادت هذه العلاقات لوضعها في عام 2017 وعادت القوة الشرائية للروس في سوق العقارات في تركيا، ولا سيما في قطاع الفلل في أنطاليا وبودروم، كما يرى خبراء عقاريون أن المشروعات العقارية في تركيا قد تشهد ارتفاعاً في عدد المشترين الروس، كما ارتفع كذلك عدد السياح الروس إلى تركيا بمعدل 30% عن الوضع في عام 2016. ولا زالت توقعات الزيادة في الإقبال السياحي الروسي إلى تركيا كبيرة وستؤثر بدون شك على حجم المبيعات العقارية للروس في تركيا، والتي وصلت إلى مراتب متقدمة بين الدول الأكثر شراءً للمنازل في تركيا.
6. ازدياد العروض العقارية في تركيا و ارتفاع الطلب عليها
يعتمد سوق العقارات في تركيا على حركة العرض على العقارات الجديدة من قبل شركات الإنشاء والإسكان، تزامناً مع حركة الطلب المحلي والأجنبي لشراء عقارات في تركيا. أما الارتفاع في عدد المشاريع العقارية الحديثة فهو لأكثر من غرض، ولكنها بشكل أساسي تعتبر سياسة إعمارية راسخة في البلاد لتحويل العديد من المناطق الريفية والشعبية إلى مساكن حضرية وبخدمات متميزة، كما ساهم زلزال إسطنبول في عام 2000 لتحويل أنظار شركات الإنشاء لبناء وحدات سكنية ومجمعات حديثة مقاومة للزلازل والكوارث الطبيعية، ضمن خطط واسعة للإعمار والإسكان في إسطنبول بالذات وبقية الولايات التركية بشكل عام، وقد مثلت تلك التجربة محفّزاً لتكرارها فيما يشبه سياسة حكومية شاملة لتأهيل المناطق الشعبية. كما أنّ المشاريع التنموية الحديثة تفرض الحاجة لوجود مشاريع عقارية مجاورة ومحيطة بها تُكسب مشاريع البنية التحتية أهمية إضافية، كما تأخذ من هذه المشاريع أهميتها، ومثال ذلك ما سُيحدثه مشروع قناة إسطنبول الجديدة من ثورة عمرانية كبيرة، حيث سيتم بناء وحدات سكنية داخل الجزيرة المُحدثة بفعل القناة الجديدة، وستشكل هذه الوحدات بمجملها مدينة جديدة كاملة الأوصاف. أما عن الطلب على هذه العقارات فهو مرتفع بشكل كبير، وقد يكون هذا الارتفاع في الطلب أحد عوامل التحفيز التي تعتمد عليها شركات البناء التركية لاستحداث مشاريع جديدة وبناء المزيد من الوحدات السكنية الحديثة، والطلب على هذه العقارات لم يكن فقط طلباً محلياً بل تجاوز ذلك إلى ارتفاع الطلب الأجنبي. ساهم أيضاً تنوّع الطلبات على العقارات في تركيا إلى نمو في هذا القطاع في مناطق عديدة، فإن الروس مثلاً تزداد طلباتهم على العقارات السياحية وخاصة في أنطاليا، بينما الصينيون يحبذون شراء عقارات تركية قريبة من المناطق الأثرية والحضارية، أما المستثمرون العرب فتختلف رغباتهم بين الباحث عن مساكن هادئة، فيشتري فلل في إسطنبول وبورصة، أو باحث عن عقارات تجارية في مركز مدينة إسطنبول أو في أنقرة، ويحبّذ العراقيون شراء عقارات في سكاريا، أما عقارات طرابزون نظراً للمكانة السياحية للمدينة كانت أغلبها من نصيب المستثمرين السعوديين.